عندما يسمع المسلم عبارة "ابن الله" يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم لأنه يعتقد أن المسيحيين ينسبون لله ولدا جسديا، هذا الولد لا بد وأن يكون نتيجة علاقة جنسية أقامها الإله مع مريم فاتخذها صاحبة له وأنجب منها المسيح ـ حاشا الإله أن يقوم بذلك ـ طبعا هذه الفكرة لا يشمئز منها المسلم فحسب بل حتى المسيحي. ولا يوجد مسيحي في كل الطوائف المسيحية الموجودة يؤمن بهذه العقيدة على الإطلاق، فلماذا يعتقد المسلم بأن عبارة ابن الله هي عبارة شركية وأنها تعني علاقة جسدية؟ السبب هو النصوص الدينية الإسلامية التي أوقعت المسلم في هذا الخلط وجعلته يظن أن المسيحية تعلم هذا الأمر.
يقول القرآن في سورة الأنعام: بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (الأنعام ١٠١). بمعنى كيف يكون لله ولد وهو لم تكن له صاحبة؟ فهو يجعل وجود الولد رهين بوجود الصاحبة ويستغرب وجود الولد دون صاحبة، وهذا يدل على أن القرآن لا يفهم عقيدة المسيحيين في عبارة ابن الله، وللرد على هذا نقول أن الولد الجسدي يقتضي وجود الصاحبة، لكن هناك استخدامات أخرى للولد لا تقتضي ذلك: فالولد بالتبني لا يقتضي وجود صاحبة، والولد بالمجاز كأن يقول شخص كبير لشخص صغير في السن يا ولدي (وهي المنزلة) لا يقتضي وجود الصاحبة، بل إن المسيحيين يؤمنون مثلا أنهم "أبناء الله" بمعنى روحي دون أن يفكروا أن الله ينبغي أن يكون له صاحبة لكي يولدوا منه، وبالتالي الاعتراض لا قيمة له هنا لأن المسيحيين يؤمنون أن المسيح ابن الله بمعنى غير جسدي لا يقتضي وجود الصاحبة التي يولد منها، فهو ابن الله قبل وجود مريم نفسها.
يكرر القرآن نفس المعنى في سورة الجن مثلا حين يقول على لسان الجن: وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَدًا (الجن ٣) وهنا جاء ذكر الولد أيضا مقرونا بالصاحبة للإشارة لعقائد المسيحيين، وهذا يدل بلا شك على كون القرآن لم يفهم عقيدة ابن الله فهما صحيحا.
وقالوا اتخذ الله ولدا:
عادة ما يستخدم القرآن فعل "اتخذ" على أساس أن المسيحيين يؤمنون بأن الله لم يكن له ولد ثم اتخذ المسيح ولدا، حيث يقول متهما المسيحيين "وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ" (البقرة ١١٦)، يعني أن المسيحيين يقولون بأن الله اتخذ المسيح ولدا. وفي سورة مريم ينفي هذا الأمر فيقول: مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ (مريم ٣٥)، وفعل "اتخذ" "يتخذ" معناه أن المسيحيين يؤمنون أن الله احتاج الولد ثم اتخذ المسيح ولدا في نقطة معينة من الزمن. وهذا اعتقاد لا وجود له في المسيحية بكل طوائفها، فالمسيح في عرف المسيحية هو كلمة الله الأزلي، فهو أزلي مع الله وواحد مع الله لا يتجزأ منه وبناء عليه يدعى كلمة الله منذ الأزل، ويدعى ابن الله منذ الأزل أيضا، يعني أن الله لم يتخذه ولدا في وقت معين بل طبيعته وكينونته هي كذلك منذ الأزل إلى الأبد لا تتغير، وبالتالي عندما يتهم القرآن المسيحيين بأنهم يقولون بأن الله اتخذ ولدا فإنما هو يقول شيئا لم يؤمن به المسيحيون على الإطلاق بل هو اتهام باطل من أصله.
لم يلد ولم يولد:
من أشهر الآيات التي يستخدمها المسلم ليعترض على عبارة ابن الله عند المسحيين هي آيات سورة الإخلاص، بحيث يقول: "لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد" (الإخلاص ٣ و٤). والمقصود بهذه الآيات نفي الولادة الجسدية عن الله، فهي لم تقع له كمولود ولا كوالد. وقد جاء في تفسير ابن كثير:" أي: ليس له ولد، ولا والد، ولا صاحبة. قال مجاهد: { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } يعني: لا صاحبة له" (ابن كثير لسورة الإخلاص ٣). فهل المسيحيون يؤمنون بأن الله مولود بطريقة جسدية أو ولد بطريقة جسدية؟ لا أبداً! المسيحيون لا يؤمنون بذلك ويستطيعون ترديد هذه المقولة مع المسلمين دون إشكال لأن الله في نظرهم أيضا لم يلد بطريقة جسدية ولم يولد بطريقة جسدية، ولكن هذه الآية لا تستطيع نفي وجود علاقة روحية بين الله وكلمته يطلق عليها لقب "البنوة". القرآن ينفي البنوة فقط بناء على هذا الأساس الجسدي، وهذا هو دليله الوحيد، بينما إذا أثبتنا وجود البنوة بطريقة أخرى فإن القرآن يقول: قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (الزخرف ٨١). إذن إذا أثبتنا فعلا أن المسيح ابن الله بطريقة أخرى فإن القرآن سيقبل ذلك ويقبل العبادة له.
ما معنى ابن الله إذن؟
ابن الله في اللاهوت المسيحي لا تعني أبدا الولادة الجسدية من الله، بل تعني الانتماء، بمعنى أن المسيح آت من عند الله، أو بعبارة الإنجيل أن المسيح كان عند الله قبل أن يظهر في الجسد، فهو كلمة الله وهذا الكلمة صادر من الله نفسه، مثلما أن كلمة الإنسان هي بنت شفتيه وبنت أفكاره هكذا كلمة الله هو ابن الله لأنه صادر منه، فهو لم يصر ابن الله حين ولد من مريم بل حتى قبل ولادته من مريم وقبل وجود مريم نفسها كان يدعى ابن الله. فالبنوة سابقة لتجسده لا العكس.
وفي لغتنا العربية نستخدم لفظ ابن للدلالة على الانتماء في أحيان كثيرة، فمثلا نقول فلان ابن مصر أو ابن العراق أو ابن المغرب للدلالة على أنه ينتمي لهذا البلد وأنه منه، ولا يستطيع شخص أن يتخيل أن لفظة ابن العراق تعني أن العراق تزوج بصاحبة وأنجب منها شخصا، فلماذا لا يتعامل المسلم بنفس المنطق مع لفظ ابن الله؟ لماذا يصر على أن يفهم لفظ ابن الله بمعنى حرفي وجسدي في حين أنه بعيد كل البعد عن ذلك؟ خلاصة القول: لفظ ابن الله مواز للفظ كلمة الله، والمسيحيون يؤمنون بالله وكلمته (أو ابنه) وروحه (الروح القدس). ولذلك يقول الإنجيل: في الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ. (إنجيل يوحنا ١ آية ١).