ما هو الايمان؟ و لماذا لا ننال ما نطلبه بالصلاة؟

 ما هو الايمان؟ و لماذا لا ننال ما نطلبه بالصلاة؟

 
أعزائي الباحثين،
 

الإيمان وإستجابة الصلاة

 الإيمان هو أن نعترف بحقيقة وجود الله كخالق للسماء والأرض وكل ما فيهما وكأب محب للبشر صالحهم معه من خلال موت إبنه الوحيد يسوع المسيح لينال كل من يؤمن بموته وقيامته لأجل الفداء نعمة الحياة الأبدية. وفي الآية الوحيدة التي تعرف الإيمان في الكتاب المقدس، أي ماهية الإيمان نقرأ" وأما الإيمان فهو الثقة بما يرجى والإيقان بأمور لا ترى" (الرسالة إلى العبرانيين ١١ : ١). إن إيماننا كمولدين من روح الله من خلال إبنه يسوع المسيح لا يمكن أن يرتكز على أدلة وبراهين. أي إننا لا نطلب أن يرينا الله ذاته بطرق حسية محدودة كي نؤمن بوجوده. إن الله الذي روحه ترف فوق الأرض كلها لا يمكننا أن نطلب إستيعابه وإستيعاب مخططاته بطاقاتنا الفكرية المحدودة التي بالكاد ترى وتدرك حسياً المكان الذي نقف عليه. نحن بحسب حواسنا البشرية نرى إلى الأمام وبعض الرؤية من خلال طرفي العينين ولكننا لا نقدر أبداً أن نرى الوراء وإذا أردنا ذلك علينا أن نلتفت إلى الوراء فيصبح ما كان أمامنا وراءً جديداً. يا لمحدوديتنا فحتى في مكان يوازي حجم جسدنا نحن عاجزون عن رؤية مكتملة الجوانب فكيف لنا أن نستوعب بغير الإيمان، الله الذي في السماء وفي الأرض وما فيهما في آن واحد؟ كمؤمنين نحن نصدق ما تعلمنا إياه الكلمة والكلمة تعلمنا أنه بإمكاننا أن نأتي إلى الله أبينا السماوي رافعين إليه إحتياجاتنا التي يعرفها هو أصلاً قبل أن نطلبها. "وحين تصلون لا تكرروا الكلام باطلاً كالأمم فإنهم يظنون أنه بكثرة كلامهم يستجاب لهم. فلا تتشبهوا بهم. لأن أباكم يعلم ما تحتاجون إليه قبل أن تسألوه" (متى ٦ : ٧-٨). ونحن نعلم أيضاً أن طلباتنا تصل كل حين إلى أذن الله وهذا ما يعلمنا إياه أيضاً الكتاب المقدس في عهديه القديم والجديد. في سفر المزامير يقول المرنم " الرب قريب لكل الذين يدعونه الذين يدعونه بالحق. يعمل رضى خائفيه ويسمع تضرعهم فيخلصهم" (المزامير ١٤٥: ١٨). ولكن هذا لا يعني أبداً أن على الله أن يستجيب صلواتنا بما يرضينا كي يثبت قدرته الإلهية وحقيقة وجوده كما أنه لا يعني أبداً أن عدم إستجابة الصلاة أي عدم حصول ما نطلبه من الله يعني أننا ضعفاء الإيمان وأن الله يحاسبنا عن ذلك بعدم إستجابة صلاتنا. فلنعد قليلاً الى مزمور ١٤٥ ولنركز هنا على كلمة" فيخلصهم". إن إستجابة الله صلوات خائفيه هي دوماً لأجل "خلاصهم" أي حريتهم و أمانهم أي سلامتهم المؤكدة البعيدة المدى. إن معنى الإستجابة للصلاة ليس دائماً أن يأخذ المؤمن ما يطلبه وإنما ما هو في حاجة إليه. والله لا يرى حاجتنا بعين رغبتنا وإنما بعين خيرنا الذي يمتد أبعد من حاجة قد تكون في أغلب الأحيان ظرفية ذات نتائج قد تصبح سلبية في وقت لاحق.

يعلمنا الكتاب المقدس أنه " لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل إنتقل من هنا إلى هناك فينتقل ولا يكون شيء غير ممكن لديكم" (متى ١٧: ٢٠). فلنأخذ معنى هذه الآية حسب موقعها من النص الكتابي. لقد كان التلاميذ يسعون إلى التغلب على الشيطان ولكنهم لم يقدروا لخوف ربما أو شك بقدرتهم على محاربته، وبالنتيجة لم يتمجد الله من خلال إيمانهم. ولعلنا نقدر أن نرى هنا ثلاثة عناصر أساسية يترتب عليها إحداث أي تغير في حياتنا من خلال الصلاة.

صلاتنا يجب أولاً أن تكون نابعة من إيمان قوي لا يهتز وأن يكون لها هدفين أساسين أو نتيجتين أساسيتن : غلبة للشيطان ومجد لله. كم من مرة أخذنا حقاً بعين الإعتبار هذه العناصر عندما نرفع طلباتنا أمام الله؟ فلنأخذ بعض الآيات من العهد الجديد التي تعلمنا الكثير في شأن صلاة المؤمن واستجابة الله:

"إسألوا تعطوا. أطلبوا تجدوا. إقرعوا يفتح لكم" (متى ١٧ : ٧)، فلنأخذ كمفتاح لهذه الاية "إسألوا".

" الحق الحق أقول لكم أن كل ما طلبتم من الآب بإسمي يعطيكم" (يوحنا ١٦: ٢٣)، فلنأخذ هنا كلمة المفتاح " بإسمي".

" وهذه هي الثقة التي لنا عنده أنه إن طلبنا شيئاً حسب مشيئته يسمع لنا" (رسالة يوحنا الأولى ٥ : ١٤)، ولنأخذ هنا كلمة المفتاح "حسب مشيئته".

 "وكل ما تطلبونه في الصلاة مؤمنين تنالونه" (متى ٢١ : ٢٢)، وهنا فلنأخذ كلمة "مؤمنين".

"إعترفوا بعضكم لبعض بالزلات وصلوا بعضكم لأجل بعض لكي تشفوا. طلبة البار تقتدر كثيراً في فعلها" (يعقوب ٥ : ١٦)، فلنأخذ مفتاحاً من "طلبة البار".

"إن ثبتم في وثبت كلامي فيكم تطلبون ما تريدون فيكون لكم" (يوحنا ١٥ : ٧)، فلنأخذ "إن ثبتم".

"ومهما سألنا ننال منه لأننا نحفظ وصاياه ونعمل الأعمال المرضية أمامه" (رسالة يوحنا الأولى ٣ : ٢٢)، فلنأخذ "نحفظ وصاياه ونعمل".

"ليس أنتم إخترتموني بل أنا إخترتكم وأقمتكم لتذهبوا وتأتوا بثمر ويدوم ثمركم. لكي يعطيكم الآب ما طلبتم بإسمي" (يوحنا ١٥ : ١٦)، فلنأخذ هنا "وتأتوا بثمر ويدوم ثمركم".

"ومهما سألتم بإسمي فذلك أفعله ليتمجد الآب بالإبن" (يوحنا ١٤ : ٣)، فلنأخذ هنا "ليتمجد الآب بالإبن".

هذا ما يجب ان يكون لسان حالنا عندما نرفع بالصلاة طلباتنا إلى الآب السماوي : علينا أن نسأل بإسم يسوع، حسب مشيئة الآب مؤمنين أننا سننال، طالبين بطلبة البار الثابت في الرب يسوع الحافظ وصاياه العامل ما يرضيه بدليل الثمر الدائم، عندها مهما سألنا بإسم يسوع ذلك يفعله على أن يكون في ذلك ليس فقط تحقيقاً لطلب المؤمن وإنما بالدرجة الأولى مجد لله. وأي صلاة لا يتمجد من خلالها الآب بالإبن لن تستجاب بنعم.

وأخيراً فلننظر إلى آيتين في الكتاب المقدس قد تعتبران مختصر ما يريده الله منا كمؤمنين أياً تكن حاجاتنا وأياً تكن حالتنا وأسباب قلقنا أو خوفنا حتى ولو كان الموت أحداها لأنه في المسيح يسوع لا موت بل حياة أبدية. "لكن اطلبوا أولاً ملكوت الله وبره وهذه كلها تزاد لكم" (متى ٦ : ٣٣). وأحياناً تكون "هذه كلها" أكثر من مأكل ومشرب ولباس. قد تكون الصحة والحياة، صحتنا أو صحة أحباء لنا، حياتنا أو حياة أحباء لنا ولكن دائماً فلنطلب ملكوت الله أولاً.

أما بالنسبة للباقي فيعلمنا الكتاب المقدس "إفرحوا في الرب كل حين وأقول أيضاً إفرحوا. ليكن حلمكم معروفاً عند جميع الناس. الرب قريب. لا تهتموا بشيء بل في كل شيء بالصلاة والدعاء مع الشكر لتعلم طلباتكم لدى الله. وسلام الله الذي يفوق كل عقل يحفظ قلوبكم وأفكاركم في المسيح يسوع"  (فيليبي ٤:٤). يريدنا الله أن نرفع جميع طلباتنا أمامه "بالصلاة والدعاء مع الشكر"، فلننتبه إلى كلمة "مع الشكر". الشكر يحمل معنى الحمد والرضى أي عندما نقف أمام الله طالبين يجب أن نكون راضين حتى قبل أن نعلم موقف الله وكيفية إستجابته لصلاتنا. لا يكون كلامنا كلام اليائس الذي لا أمل لديه ويقول لنا أيضاً في بقية العدد "وسلام الله الذي يفوق كل عقل يحفظ قلوبكم وأفكاركم في المسيح يسوع". إذاً نحن نرفع طلباتنا إلى الله بالصلاة والدعاء مع الشكر والجواب هو"سلام الله يحفظ قلوبنا وأفكارنا في المسيح يسوع". ما يعدنا الله به هنا هو أثمن من أن تستجاب صلواتنا. هو وعد أنه مهما حصل فإن قلوبنا وأفكارنا ستكون محفوظة في الرب يسوع. وما هي المواعيد المدخرة لنا في الرب يسوع؟ لنا في شخص الرب يسوع شبع لأنه "خبز الحياة" لنا فيه إرتواء لأنه " الماء الحي" لنا فيه نورلأنه نور "نور العالم" لنا فيه حياة أبدية لأنه حمل الله "الحامل خطايا العالم" ولنا فيه فرح لا ينزع ولا ينطق به "ذلك وإن كنتم لا ترونه الآن لكن تؤمنون به فتبتهجون بفرح لا ينطق به ومجيد نائلين غاية إيمانكم خلاص النفوس" (رسالة بطرس الأولى ١: ٩).