كيف يكون الآب والإبن والروح القدس إله واحد؟ - ب

 كيف يكون الآب والإبن والروح القدس إله واحد؟ - ب

 
 

 لاهوت المسيح وناسوته

لقد كان تجسد أُقنوم الإبن في الزمان لفداء البشر أمرا ً موجودا ً في المخططات والمشورات الإلهية منذ الأزل. ولكن البشر تعثروا في فهم حقيقة كون المسيح هو الله ظاهرا ً في الجسد، وذلك لإعتبارات لا تتخطى حدود منطق العقل البشري المحدود، على رغم أن الكتاب المقدس مليء بالشواهد التي تتحدث عن هذا الأمر. فالنبي أشعياء يقول بالوحي المقدس عن ولادة المسيح من العذراء المباركة مريم "لأنهُ يولد لنا ولد ونعطى ابنا ً، وتكون الرياسة على كتفه، ويدعى إسمه عجيبا ً، مشيرا ً، إلها ً قديرا ً، أبا ً أبديا ً، رئيس السلام" (أشعياء ٩ : ٦). كما أن العهد الجديد مليء بالشواهد التي تتحدث عن تجسد الله في شخص المسيح يسوع "في البدء كان الكلمة ( أزلية المسيح ) والكلمة كان عند الله ( الأقنومية ) وكان الكلمة الله (الوحدة في اللاهوت) ... والكلمة صار جسدا ً وحل بيننا (التجسد في الزمان) ورأينا مجده مجدا ً كما لوحيد من الآب مملوءا ً نعمة وحقا " (يوحنا ١ : ١ و ١٤). وقد أصاب التشويش الذهني الكثيرين بمزجهم بين لاهوت المسيح وناسوته، غير مدركين أنه عندما تجسد المسيح كأقنوم إلهي في هيئة بشرية، لم يُنقِص ذلك إطلاقا من حقيقة كونه الله بكامل صفاته كما أكد الوحي المقدس بالقول "فإنه فيه (أي في المسيح يسوع) يحل كل ملء اللاهوت جسديا ً" ( الرسالة إلى كولوسي ٢ : ٩). وهنا نسأل : ألم يخلق الله البشر على صورته كشبهه ( تكوين ١ : ٢٦ و ٢٧)؟ فأين العجب من ظهوره له المجد على هيئة البشر عندما أراد بنعمته أن يتجسد بينهم لفدائهم؟ ثم أن تجسد الله في المسيح في هيئة بشرية لم يكن حصرا ً للامحدوديته، الأمر غير ممكن الحدوث، إنما كان تجليا ً في المكان والزمان لمن لا يعسر عليه شيء، والموجود في كل زمان ومكان كإله لا تحده حدود. وقد تساءل كثيرون كيف يمكن أن يكون المسيح هو الله ظاهرا ً في الجسد؟ هل الله يجوع أو يتعب أو ينام أو يتألم أو يبكي كما حدث للمسيح؟ ولم يعلموا أن تجسد المسيح من العذراء المباركة مريم، وعدم ظهوره الفجائي في العالم كرجل كامل السن لتحقيق الفداء، كان القصد منه أن يجتاز المسيح كل مراحل النمو البشري إبتداء ً من الرحم حتى الولادة فالطفولة فالشباب فالرجولة، لكي يُثبت تميزه الفريد كالإنسان الكامل الذي إختبر كل نواحي ضعف الطبيعة البشرية التي سببتها الخطية، دون الوقوع فيها، لأنه القدوس الذي بلا خطية. وقد برهن المسيح بذلك أنه الشخص الوحيد الذي يصلح أن يكون فاديا ً للإنسان الخاطىء الهالك، وهو الأمر الذي تجسد من أجل تحقيقه بموته على الصليب.

 تجسد الله في المسيح

 من المعروف أن الله له المجد خلق الإنسان على صورته كشبهه لتمجيد إسمه من خلاله. إلا أن الإنسان أهان مجد الله بسقوطه في الخطية نتيجة الخداع الشيطاني، وأصبح مطالبا ً بتعويض الضرر. وهنا نشأت معضلة كبيرة ذات وجهين. الوجه الأول هو أنه لا يوجد إنسان خال تماما ً من كل خطية. فالجميع خطاة كما يؤكد الكتاب ويحتاجون إلى من يفديهم من خطاياهم. والوجه الثاني هو أن أي تعويض لله يجب أن يكون مساويا ً لمجده الذي أهين بالخطية. فمن أين للإنسان الساقط أن يعوض عن مجد الله فيرضيه وينجو هو من الهلاك؟ أمام هذه المعضلة الرهيبة وقف الإنسان عاجزا ً وحائرا ً، بسبب إستحالة إمكانية وجود كائن حي يعادل في شخصه الإنسان والله معا حتى تسوى المشكلة. وهنا تدخل الله بمحبته ونعمته لكي يعالج الأمر. فبادر شخصيا ً من خلال أقنوم الإبن، متجسدا ً في هيئة بشرية، لكي يفدي الإنسان من خطاياه ويعيد الإعتبار لمجد الله. وهكذا حلت المعضلة المستعصية، فتمجد الله وخلص الإنسان. فكون المسيح مساويا ً لله تماما ً في الجوهر، أمكنه بتجسده أن يأخذ مكان الإنسان وينوب عنه في تعويض الله مجده المهان، من خلال دفع الحساب عن خطية الإنسان بالموت على الصليب بناء على القاعدة الإلهية "لأن أجرة الخطية هي موت ... " (الرسالة إلى رومية ٦ : ٢٣). وقد أقام الله المسيح كإنسان من بين الأموات، كبرهان على قبوله بالثمن الذي دفعه في سبيل رد الإعتبار للمجد الإلهي. وعن هذا يقول الرسول بولس بالوحي الالهي " فليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح يسوع ايضا ، الذي اذ كان في صورة الله ، لم يحسب خلسة ان يكون معادلا لله، لكنه أخلى نفسه آخذا صورة عبد، صائرا في شبه الناس، وإذ وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب. لذلك رفعه الله أيضا ً وأعطاه إسما ً فوق كل إسم، لكي تجثو بإسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض، ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب" (الرسالة إلى فيليبي ٢ : ٥ - ١٠).

ضرورة الاإيمان بالمسيح

من كل ما سبق وذكرنا حتى الآن رأينا أن عهدا ً جديدا ً أرساه الله له المجد للتعامل مع البشر، أساسه الإيمان به كالإله الفادي والمخلص الذي سر بأن يظهر محبته الأبوية للعالم من خلال أقنوم الإبن. وعليه، فإن الإيمان بالله المتجسد للفداء، أي بالمسيح يسوع تحديدا ً، هو ما أصبح يؤدي في هذا العهد الجديد إلى نوال البركات الإلهية الأبدية، وليس الإيمان بإله مجرد ومحتجب كما كان في العهد القديم، وعلى أساس ناموس وصايا لم يقدر أحد من الناس أن ينفذها أو يرضي الله من خلالها. وهذا ما تأكده الآية "لذلك، ونحن تاركون كلام بداءة المسيح ( أي مجرد الحديث عن ولادة المسيح وحياته في العالم) لنتقدم إلى الكمال (أي لنتقدم إلى معرفة الغرض الذي من أجله تجسد المسيح، وهو إكمال عمل الخلاص بموته على الصليب) غير واضعين أساس التوبة، من الأعمال الميتة والإيمان بالله" (الرسالة إلى العبرانيين ٦ : ١). هذا الكلام يعتبر خطيرا ً وتجديفيا ً لمن لا يؤمن بكلمة الله في العهد الجديد وما أعلنه له المجد عن نفسه فيها. فالكتاب المقدس يذكر مرات كثيرة كيف كان المسيح يدعو الناس إلى الإيمان بشخصه، على إعتبار أن هذا الأمر هو المطلوب من أجل إقامة علاقة طيبة مع الله. وهذا ما يتوافق تماما ً مع وصية الله المعلنة في كلمته "وهذه هي وصيته ( وصية الله ) أن نؤمن بإسم إبنه يسوع المسيح ونحب بعضنا بعضا ً كما أعطانا وصية" (رسالة يوحنا الأولى ٣ : ٢٣). ولكون المسيح مساويا ً لله في جوهر لاهوته كما أشرنا سابقا ً، فكما كان يوصي الناس بالإيمان بالله "... ليكن لكم إيمان بالله " (مرقس ١١: ٢٢)، كان يدعو الناس إلى الإيمان بشخصه أيضا ً على إعتبار أنه الإيمان المطلوب بالله "لا تضطرب قلوبكم . أنتم تؤمنون بالله فآمنوا بي" (يوحنا ١٤ : ١) " ... الذي يؤمن بي ليس يؤمن بي بل بالذي أرسلني. والذي يراني يرى الذي أرسلني" (يوحنا ١٢ : ٤٤ و ٤٥). وقد أكد الروح القدس أيضا ً هذه الحقيقة على لسان الرسول بطرس الذي قال “أنتم الذين به (أي بالمسيح) تؤمنون بالله الذي أقامه من الأموات وأعطاه مجدا ً، حتى أن إيمانكم ورجاءكم هما في الله" (رسالة بطرس الأولى ١ : ٢١). فما هي النتائج المترتبة على الإيمان بالمسيح أو عدم الإيمان به؟