ما معنى الصلاة الربانية؟

 ما معنى الصلاة الربانية؟

 
أعزائي الباحثين،
 

 وردت هذه الصلاة المعروفة بإسم الصلاة الربانية في إنجيل متى ٦، ضمن الموعظة الشهيرة التي ألقاها الرب يسوع المسيح على الجبل. كما أنها وردت في إنجيل لوقا ١١ كجواب الرب على سؤال واحد من تلاميذه "...يا رب علمنا أن نصلي كما علم يوحنا أيضا ً تلاميذه".

فهذه الصلاة، وعلى الرغم من بساطتها المتناهية، تعتبر النموذج الأمثل لنسج الصلوات على منوالها، من حيث محتواها وشموليتها وترتيب موضوعاتها بالشكل اللائق الذي يجب أن نأخذه بعين الإعتبار عند التكلم مع الله اثناء الصلاة. يمكن تقسيم هذه الصلاة إلى عشرة أجزاء: أولا ً الاستهلال، ثم سبع طلبات مقسمة إلى ثلاثة خاصة بالله وأربعة تتناول حاجات الانسان، يليها ختام الصلاة، وأخيرا تأتي كلمة "آمين".

١- أبانا الذي في السموات: إستهل المسيح هذه الصلاة بالقول أبانا، كاشفا ً بذلك عن علاقة جديدة أصبحت تربطنا بالله هي رابطة البنوية. فالله لم يعد لنا كما كان يعتبره المؤمنون في العهد القديم كرب الجنود أو إله ورب السماء، بل أصبح بإمكاننا أن نخاطبه بالقول "أبانا"، ولنا ثقة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معاني المحبة والحنان والعطف والعناية والحماية واللطف والرحمة. وكون أبانا هو "الذي في السموات" فهذا يضيف إلى الصفات السابقة صفة القوة والسلطان. لذلك عندما نأتي إلى الله كي نتكلم معه في الصلاة كأبينا، نثق بمحبته الأبوية، وبأن صلواتنا تلقى عنده الإهتمام، وبأنه قادر كل المقدرة على إستجابتها بحسب مشيئته الصالحة من نحونا.

٢- ليتقدس إسمك: إن الإسم هو كناية عن الشخص نفسه. وكم هو جميل عندما ندخل إلى حضرة الله المباركة للصلاة أن ننشغل أولاً بمجده، قبل أن نستعرض طلباتنا الخاصة وإحتياجاتنا. فليس الله لنا كأب يملك مستودع العطايا والبركات والهبات فنأتي إليه لكي نتزود منه بما يلزمنا للإنفاق في ملذاتنا. بل يجب علينا عند الوجود في حضرته البهية أن نكون في وقار الساجد المدرك لعظمة الخالق وقداسته المطلقة، بحيث نطلب ونرغب أولا ً في أن يتقدس إسمه المبارك حيثما أعلن، ولا سيما فينا كمؤمنين. إذ أن إسم الله المبارك دعي علينا كما هو مكتوب "أما هم يجدفون على الإسم الحسن الذي دعي به عليكم" (رسالة يعقوب ٢: ٧)، "لكي يطلب الباقون من الناس الرب وجميع الأمم الذين دعي إسمي عليهم يقول الرب الصانع هذا كله" (اعمال الرسل ١٥: ١٧). ففي الوقت الذي يهان إسم الله والمسيح في العالم من قبل أشخاص كثيرين يتسيد الشيطان على قلوبهم وحياتهم، كم يجب أن نحرص في حياتنا العملية على أن يتقدس إسم الله أبينا ويتمجد من خلالنا أولا ً لأننا لهذا دعينا كما هو مكتوب "بل قدسوا الرب الإله في قلوبكم، مستعدين دائما لمجاوبة كل من يسألكم عن سبب الرجاء الذي فيكم بوداعة وخوف" (رسالة بطرس الأولى ٣: ١٥).

٣- ليأت ملكوتك: بعد الإنشغال بمجد وقداسة الله نفسه كالخالق لكل شيء والمحب الذي بادر إلى فداء نفوسنا من الهلاك ودعانا إلى مجده الأبدي في شخص ربنا يسوع المسيح، كم هو مناسب أن ننتقل في صلاتنا إلى الطلب بخصوص ملكوته. وهذا الملكوت له وجهان: الوجه الأول هو ملكوت السموات، أي دائرة الإعتراف بملك السماء على الأرض. وهذا الوجه له طابع السرية لأن الملك المفترض لهذا الملكوت، أي الرب يسوع المسيح، ليس مالكا ً بصورة علنية في الأرض الآن، ولكنه يملك في قلوب المؤمنين به، الذين يجب أن يعملوا على إمتداد هذا الملكوت من خلال البشارة والإهتمام بخلاص نفوس الناس، بإنتظار ظهور المسيح بالمجد والقوة ليملك علنا على العالم، بحيث أن المؤمنين به سيملكون معه كما هو مكتوب "إن كنا نصبر فسنملك معه..." (رسالة تيموثاوس الثانية ٢: ٢٢).

وهذا هو الوجه الثاني للملكوت الذي يجب أن نطلب مجيئه في صلواتنا "ليأت ملكوتك". فرغبة الروح القدس الذي يسكن في الكنيسة، الملقبة في الكتاب "عروس المسيح"، هي في أن يأتي الرب لأخذ المؤمنين إليه تمهيدا ً لملكه السعيد على العالم لمدة ألف عام "والروح والعروس يقولان تعال. ومن يسمع فليقل تعال..." (رؤيا يوحنا ٢٢: ١٧). وسيحقق الرب هذه الطلبة سريعا ً حسب وعده الصادق "...نعم. أنا آتي سريعا ً. آمين. تعال أيها الرب يسوع" (رؤيا يوحنا ٢٢: ٢٠). وسيكون لسان حالنا كشركاء في ملكوت المسيح هذه الترنيمة الجديدة للرب "...مستحق أنت...لأنك ذبحت وأشتريتنا لله بدمك من كل قبيلة ولسان وشعب وأمة، وجعلتنا لإلهنا ملوكا ً وكهنة فسنملك على الأرض" (رؤيا يوحنا ٥: ٩ و١٠). والرسول يعقوب يقول للمؤمنين على سبيل تشجيعهم "إسمعوا يا إخوتي الأحباء. أما اختار الله فقراء هذا العالم أغنياء في الإيمان وورثة الملكوت الذي وعد به الذين يحبونه" (رسالة يعقوب ٢: ٥). فلنسع إذا ً إلى العمل الحثيث من أجل ملكوت الله، نامين في نعمته ومحبته، وطالبين بإشتياق سرعة مجيء الرب حيث سنراه وجها ً لوجه ونكون معه إلى أبد الآبدين. آمين.

٤- لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض: هذه هي الطلبة الثالثة التي ذكرها الرب في هذه الصلاة النموذجية. وفيها يلفت نظرنا إلى أنه عندما نصلي، يجب أن نكون في خضوع تام لمشيئة الله بالنسبة لحياتنا، مهما كانت هذه المشيئة، لأنها صالحة على الدوام. ففي الوقت الذي يتسيد الشيطان على العالم ويخضعه لمشيئته الشريرة، كم هو مهم أن نطلب أن تكون مشيئة الله هي السائدة على حياتنا. وما أروع ربنا يسوع كالمثال الكامل الذي يجب أن نقتفي آثاره، عندما كان يعاني الآلام النفسية في بستان جثسيماني في الليلة التي أسلم فيها للصلب، إذ سلم بالتمام نفسه لمشيئة الآب "...وخر على وجهه وكان يصلي قائلا ً يا أبتاه إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس. ولكن ليس كما أريد أنا بل كما تريد أنت...فمضى أيضا ً ثانية وصلى قائلا ً يا أبتاه إن لم يمكن أن تعبر عني هذه الكأس إلا أن أشربها، فلتكن مشيئتك...وصلى ثالثة قائلا ذلك الكلام بعينه" (متى ٢٦: ٣٩- ٤٤). فكم من مرة نصلي من أجل موضوع معين ونحن نرغب في أعماقنا أن تتم الإستجابة بحسب مشيئتنا وليست مشيئته هو.

لذلك وضع الرب لنا القاعدة الصحيحة للصلاة من هذه الناحية، ولا سيما أننا قبل الإيمان كنا نتصرف كأبناء المعصية "...في شهوات جسدنا عاملين مشيئات الجسد والأفكار..." (رسالة أفسس ٢: ٣).  أما بعد الإيمان، فإن مشيئة الله هي التي يجب أن تسود على حياتنا عن طريق خضوعنا بالكامل وتسليم أمورنا له بثقة لأنه الإله الكلي الحكمة الذي يقودنا في سبل الخير والحياة والسلام على الدوام. ولكن الإستجابة الكاملة لهذه الطلبة ستكون في ملك المسيح الذي سبق وطلبنا مجيئه. حيث يكون الشيطان مقيدا ً والمسيح هو الذي يسود بسلطانه على الأرض. حينئذ ستنفذ مشيئة الله على الارض بتمامها وكمالها كما هي منفذة في السماء، حيث الملائكة جاهزون في كل حين لتنفيذ مشيئته كما هو مكتوب "باركوا الرب يا ملائكته المقتدرين قوة الفاعلين أمره عند سماع صوت كلامه" (مزمور ١٠٣: ٢٠).

٥- خبزنا كفافنا أعطنا اليوم: هذه هي الطلبة الأولى من الطلبات الأربع المختصة بحاجات الإنسان التي يطلبها بالصلاة. فالمؤمن يعتمد على الله في تأمين حاجات الجسد وكافة الأعواز الزمنية. وفي هذه الطلبة علمنا الرب أن لا نسأل من أجل الترفيه أو الملذات لأنه في هذه الحالة يقول الرسول يعقوب "تطلبون ولستم تأخذون لأنكم تطلبون رديا ً لكي تنفقوا في لذاتكم" (رسالة يعقوب ٤: ٣). كما لفت الرب أنظارنا إلى أن الطلب يجب أن يكون يوما ً بيوم فلا نقلق بالنسبة لأمور الغد. وهو قال في نفس الموعظة على الجبل "أنظروا إلى طيور السماء. أنها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع إلى مخازن وأبوكم السماوي يقوتها. ألستم أنتم بالحري أفضل منها...فلا تهتموا قائلين ماذا نأكل أو ماذا نشرب أو ماذا نلبس. فإن هذه كلها تطلبها الأمم، لأن أباكم السماوي يعلم أنكم تحتاجون إلى هذه كلها. لكن أطلبوا أولا ً ملكوت الله وبره وهذه كلها تزاد لكم. فلا تهتموا للغد لأن الغد يهتم بما لنفسه. يكفي اليوم شره" (متى ٦: ٢٦-٣٤). 

كما أن الرب من خلال هذه الطلبة علمنا أن نتحذر من الطمع أو الإتكال على الغنى كما قال في موضع آخر "...أنظروا وتحفظوا من الطمع. فإنه متى كان لأحد كثير فليست حياته من أمواله" (لوقا ١٢: ١٥). ثم ضرب لهم مثلا ً عن الغني الغبي الذي أخصبت كورته، ففكر في نفسه أن يهدم مخازنه ويبني أعظم منها لجمع غلاته وخيراته "وأقول لنفسي يا نفس لك خيرات كثيرة موضوعة لسنين كثيرة. إستريحي وكلي واشربي وافرحي. فقال له الله يا غبي هذه الليلة تطلب نفسك منك. فهذه التي أعددتها لمن تكون. هكذا الذي يكنز لنفسه وليس هو غنيا لله" (لوقا ١٢: ١٦- ٢١). والرسول بولس يقول في هذا بالروح القدس "أوص الأغنياء في الدهر الحاضر أن لا يستكبروا ولا يلقوا رجاءهم على غير يقينية الغنى بل على الله الحي الذي يمنحنا كل شيء بغنى للتمتع" (رسالة تيموثاوس الأولى ٦: ١٧).

ولا بد أن نشير هنا أيضا ً إلى أن هذه الطلبة ستكون طلبة المؤمنين في زمان الضيقة العظيمة بعد إختطاف الكنيسة، لأن أحدا ً من المؤمنين في ذلك الوقت لن يقدر أن يبيع أو يشتري بسبب الإضطهاد الذي سيتعرضون له من قبل السلطات المقاومة للمسيح والبشارة في ذلك الوقت (رؤيا يوحنا ١٣). وسيطلب المؤمنون عند ذلك من الله أن يسدد إعوازهم يوما ً بيوم، وسيستجيب الله طلبتهم بطريقة عجيبة على رغم الضيق لأنه لا يعسر عليه شيء.

٦- وأغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضا ً للمذنبين إلينا: الغفران المقصود هنا هو الغفران الأبوي الذي يمنحه الله للمؤمنين. وهو يختلف عن غفران الخطايا الذي يحصل عليه الخطاة عند إيمانهم بالرب يسوع المسيح كالفادي والمخلص كما هو مكتوب عنه "له يشهد جميع الأنبياء أن كل من يؤمن به ينال بإسمه غفران الخطايا" (أعمال الرسل ١٠: ٤٣). فالخاطىء الذي لم يختبر غفران خطاياه بالإيمان بالمسيح لا يستطيع أن يصلي إلى الله كأبيه، لأن أب الخطاة هو إبليس كما قال الرب للأشرار "أنتم من أب هو إبليس وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا..." (يوحنا ٨: ٤٤). ويجب أن ندرك هنا أن غفران ذنوبنا كمؤمنين يأتي من خلال الإعتراف بها كما هو مكتوب "إن إعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم" (رسالة يوحنا الاولى ١: ٩). فالله لا يستجيب صلواتنا إذا كنا نتساهل مع الخطية في حياتنا "إن راعيت إثما ً في قلبي لا يستمع لي الرب" (مزمور ٦٦: ١٨)، "ونعلم أن الله لا يسمع للخطاة. ولكن إن كان أحد يتقي الله ويفعل مشيئته فلهذا يسمع" (يوحنا ٩: ٣١). 

أما في الجزء الثاني من هذه الطلبة "كما نغفر نحن أيضا للمذنبين إلينا" فلا يجب أن نفهم منها أن المصلي يطلب من الله أبيه ان يتمثل به فيغفر له خطاياه كما هو يغفر للمذنبين إليه. لأن الله أصلا ً لا يغفر لنا خطايانا بناء على أي عمل نقوم به، حتى ولو كان مسامحة المخطئين إلينا. لأن غفران الخطايا كما ذكرنا مرتبط بالإيمان بالنسبة للخطاة، كما أنه مرتبط بالإعتراف بالخطية بالنسبة للمؤمنين. ولا يمكن أن نفهم هذا الجزء من الطلبة إلا من زاوية أن المصلي يجب أن يكون على إستعداد تام كل الوقت لمسامحة المخطئين إليه، متمثلا ً بالرب يسوع كما هو مكتوب "محتملين بعضكم بعضا ً ومسامحين بعضكم بعضا ً إن كان لأحد على أحد شكوى، كما غفر لكم المسيح هكذا أنتم أيضا" (رسالة كولوسي ٣: ١٣)، و"كونوا لطفاء بعضكم نحو بعض، شفوقين متسامحين كما سامحكم الله أيضا ً في المسيح" (رسالة أفسس ٤: ٣٢). فمسألة أن نغفر للآخرين ذنوبهم تجاهنا هي أمر إلهي يجب إطاعته وليست شيئا يمكن أن نقايض الله به من أجل مغفرة خطايانا. وعلى المؤمن أن يدرك أن المسيح إنما جاء إلى العالم لا ليصالحه مع الله فقط وإنما أيضا ً ليصالح الإنسان مع أخيه الإنسان. ولشدة أهمية هذا الأمر بالنسبة للرب، عاد للحديث عن موضوع الغفران عند إنتهائه من هذه الصلاة فقال "فإنه إن غفرتم للناس زلاتهم يغفر لكم أيضا ً أبوكم السماوي. وإن لم تغفروا للناس زلاتهم لا يغفر لكم أبوكم أيضا ً زلاتكم" (متى ٦: ١٤ و ١٥).

٧- ولا تدخلنا في تجربة: هذه الطلبة يجب أن يطلبها المصلي شعورا ً منه بضعفه الشديد، وتعبيرا ً عن حاجته إلى السند الإلهي للحفظ من التجارب والضيقات كما قال الرب "إسهروا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة..." (مرقس ١٤: ٣٨). وهنا لا بد أن نشير إلى نوعين من التجارب يتحدث عنهما الكتاب: النوع الأول هو الذي يسمح به الله لإمتحان الإيمان ويقول عنه الرسول يعقوب "إحسبوه كل فرح يا إخوتي حينما تقعون في تجارب متنوعة، عالمين أن إمتحان إيمانكم ينشىء صبرا ً" (رسالة يعقوب ١: ٢ و٣). وهذا النوع من التجارب لا يجب أن نطلب من الله أن يحفظنا منها بل علينا أن نشكره من أجلها.

أما النوع الثاني فهو التجارب الشريرة التي نتعرض لها، والتي يقول عنها الرسول يعقوب أيضا ً "لا يقل أحد إذا جرب أني أجرب من قبل الله لأن الله غير مجرب بالشرور وهو لا يجرب أحدا ً" (رسالة يعقوب ١: ١٣). وهذا النوع من التجارب كما فهمنا لا يأتي من الله كي نطلب منه أن لا يدخلنا فيها. فأي نوع من التجارب إذا ً قصد الرب من هذه الطلبة؟

يقول الرسول يعقوب كتتمة للآية الاخيرة التي ذكرناها "ولكن كل واحد يجرب إذا إنجذب وإنخدع من شهوته" (رسالة يعقوب ١: ١٤). لذلك لا يمكننا أن نفهم هذه الطلبة إلا من ناحية الطلب من الله الآب أن يحفظنا من ذواتنا ومن شهوات الجسد الذي فينا والعالم الذي يحيط بنا لأننا بقوتنا الذاتية لن نقوى على الصمود "إذا ً من يظن أنه قائم فلينظر أن لا يسقط. لم تصبكم تجربة إلا بشرية. ولكن الله أمين الذي لا يدعكم تجربون فوق ما تستطيعون بل سيجعل مع التجربة المنفذ لتستطيعوا أن تحتملوا" (رسالة كورنثوس الاولى ٩: ١٢ و ١٣)، و "يعلم الرب أن ينقذ الأتقياء من التجربة..." (رسالة بطرس الثانية ٢: ٩). 

٨- لكن نجنا من الشرير: في هذه الطلبة يعلن المؤمن حاجته إلى النجاة من قسوة وبطش الشيطان وأجناد الشر الروحية التي لا تكف عن محاولة زعزعة إيمان المؤمن أو نصب الشراك والفخاخ لإيقاعه في الخطية. فالله إله الأمانة الذي أنقذنا من الهلاك الأبدي بسبب الخطية، لن يتركنا بعد الإيمان لنكون ألعوبة في يد الشيطان. بل كما هو مكتوب "أمين هو الرب الذي سيثبتكم ويحفظكم من الشرير" (رسالة تيموثاوس الثانية ٣: ٣). 

 لقد طلب الرب يسوع المسيح من الله الآب في صلاته الشفاعية في إنجيل يوحنا ١٧ أن يحفظ المؤمنين من الشرير بقوله "لست أسأل أن تأخذهم من العالم بل أن تحفظهم من الشرير" (يوحنا ١٧: ١٥). ونحن نعلم أن الله الآب إستجاب للمسيح كل طلبة طلبها عندما كان في الجسد، لأنه كان الإنسان الكامل الذي لم يطلب أي شيء إلا بحسب مشيئة الله. وعليه، فإن طلبنا من الآب أن ينجينا من الشرير هي طلبة تعبر عن ثقتنا بأن الله أبينا قادر لا أن يحفظ نفوسنا فقط بل أيضا ً أن يمتعنا بالنصرة على الشيطان وأعوانه وسط كل الظروف التي قد نتعرض لها أو نجتاز فيها فنستطيع أن نرنم ترنيمة الظفر "...شكرا ً لله الذي يقودنا في موكب نصرته في المسيح كل حين..."  (رسالة كورنثوس الثانية ٢: ١٤). 

٩- لأن لك الملك والقوة والمجد إلى الأبد: تنتهي الصلاة كما إبتدأت بحمد الله وتسبيحه الأمر الذي يجب أن يكون هدفنا الأول والأخير.

١٠- آمين: هذه الكلمة تعني إستجب أو ليكن كذلك. وهي كلمة الختام في كل صلاة للتعبير عن ثقة المصلي بأن الله قد إستمع صلاته ولا بد أن يستجيبها بحسب مشيئته الصالحة. كما أن المؤمنين الذين يستمعون إلى المصلي يشاركونه بالقول آمين، للتعبير عن موافقتهم على ما ورد في الصلاة، كأنها تعبر عن لسان حالهم أيضا ً. لذلك جاءت هذه الصلاة بصيغة الجمع لأن المصلي يتكلم بلسانه ولسان إخوته أيضا ً.

خاتمة

يبقى أن نسأل، هل قصد الرب من وراء تعليم هذه الصلاة أن نرددها حرفيا ً، أو عددا ً معينا ً من المرات، أو عند كل مناسبة؟ أم أنه ذكرها كنموذج لما يجب أن تكون عليه الصلوات من حيث مضمونها عندما نقف أمام الله أبينا للتكلم معه؟

لقد علمنا الرب يسوع، في الموعظة على الجبل أيضا ً، أنه "حينما تصلون لا تكرروا الكلام باطلا ً كالأمم. فإنهم يظنون أنه بكثرة كلامهم يستجاب لهم. فلا تتشبهوا بهم..." (متى ٦: ٧ و ٨). كما يجب أن لا ننسى أن المؤمن هو شخص مولود من روح الله القدوس، وليس هو بحاجة إلى ترديد محفوظات أمام الله عندما يصلي، بل الروح القدس الذي فيه هو يعينه عند الصلاة لقول ما يريد قوله كما هو مكتوب "وكذلك الروح أيضا ً يعين ضعفاتنا لأننا لسنا نعلم ما نصلي لأجله كما ينبغي. ولكن الروح نفسه يشفع فينا بأنات لا ينطق بها" (رسالة رومية ٨: ٢٦). فالمؤمن الذي يريد أن يصلي يأتي إلى حضرة الله ليتكلم بما يشغله فيه الروح القدس، إن كان بالنسبة لما يخص مجد الله أو بالنسبة للإحتياجات الزمنية.

أمر آخر تجدر الإشارة إليه هو أن المسيح قال لتلاميذه قبل أن يذهب إلى الصليب أنه سيقوم من الموت وأنهم سيرونه مرة أخرى فتفرح قلوبهم، وأضاف "في ذلك اليوم لا تسألونني شيئا. الحق الحق أقول لكم أن كل ما طلبتم من الآب بإسمي يعطيكم. إلى الآن لم تطلبوا شيئا بإسمي. أطلبوا تأخذوا ليكون فرحكم كاملا" (يوحنا ١٦: ٢٣ و ٢٤). فمن هذه الآيات نفهم أن الصلاة بإسم المسيح هي الصلاة المستجابة عند الله الآب كما تؤكد ذلك شواهد عديدة. إلا أن المسيح يقول "إلى الآن لم تطلبوا شيئا بإسمي" ما يعني أن الصلاة التي علمها الرب قبل قوله هذا لا تدخل في إطار الصلاة بإسم المسيح، ولو إفترضنا أن التلاميذ كانوا يرددونها كما هي. والمقصود بعبارة "الصلاة بإسم المسيح" لا أن نذيل صلواتنا بعبارة "بإسم المسيح. آمين" مع أنه لا مانع أبدا ً في ذلك، بل المقصود أن نصلي على إعتبار أن الله يستمع إلينا وكأن المسيح نفسه هو الذي يصلي إليه، وإلا لما كانت هناك أي إمكانية لإستجابة صلواتنا كبشر. ولكن هذا كله لا يمنع بالطبع من ذكر أو إستخدام عبارات "الصلاة الربانية" أثناء قيامنا بالصلاة التي يرشدنا فيها الروح القدس، لأنها بالنتيجة هي جزء من كلمة الله المقدسة التي يعرف الروح القدس كيف يستخدمها في مكانها الصحيح والمناسب أثناء الصلاة.

أخيرا ً، وليس آخرا ً، نكرر أن الرب يسوع علم هذه الصلاة للجموع كنموذج تنسج على منواله الصلوات، ولكنها لم تكن صلاته هو. فلا يجب أن نفهم من كون الصلاة معروفة بإسم "الصلاة الربانية" أنها كانت الصلاة التي يصليها المسيح لله أبيه. والسبب البسيط هو أنه لا يمكن مثلاً أن المسيح يطلب إلى الآب أن يغفر له خطاياه، لأنه هو القدوس الطاهر البار الذي لم يفعل خطية ولم يعرف خطية ولم تكن فيه خطية. ولله أبينا والرب يسوع المسيح كل المجد والكرامة الى أبد الآبدين. آمين.