٣- ماهية الإيمان المسيحي

ماهية الإيمان المسيحي 

 
 

قبل الخوض في ركائز الإيمان المسيحي لابد من فهم بعض الحقائق الهامّة. أول هذه الحقائق تتمثّل في أنّ المسيحية هي علاقة شخصية بين الله والإنسان، تقوم بالدرجة الأولى على أساس الغفران الإلهي لخطايانا كبشر. ولا بد أيضًا من التعرُّف على صورة الله المعلَنة في الإنجيل وكيفيّة الحصول على علاقة حقيقيّة وحيّة معه. وندرك يقينًا عزيزي القارئ أنّك تودّ أن تعرف المزيد عن صحّة الكتاب المقدَّس وعن الله المثلّث الأقانيم.

تأكد صديقي أنّه يسعدنا أن نسمع منك، ونردّ على تساؤلاتك ،بل نحن نشجّعك على التخاطُب معنا. ورجاؤنا هو ألاّ تعزل نفسك في دائرة حيرتك أو تساؤلاتك أو مشاعرك، بل كُن على يقين أنّنا سوف نبقَى على احترامِنا لك مهما كان رأيك مختلفًا أو حتى غريبًا عن العقيدة المسيحية!

 

دعنا أولاً نتوقّف عند بعض النقاط إلهامة:

 

- صِدق الدافع من وراء البحث: لن نتمكّن من الوصول إلى الحقّيقة إن كُنّا في الواقع نسعى فقط إلى معرفة معلومات جديدة فحَسب. ولن نتمكّن مِن اكتشاف الحقّ إن كان غرضنا هو الهجوم والإنتقاد لا الوصول إلى الحقيقة. "طريق الجاهل مستقيم في عينيه. أمّا سامع المشورة فهو حكيم" (أمثال ١٥:١٢).

 

- إعلان الله عن ذاته: يمكنك صديقي العزيز أن تقرأ كثيرًا وتحاول بجهدك الشخصي الوصول إلى حقائق هامّة. قد تتوافر لديك معلومات كثيرة وقد تجد مَن يشرح لك كلّ ما يتعلّق بالإيمان المسيحي، ورغم ذلك قد تجد نفسك مُحاطًا بالغموض وعاجزًا عن الإدراك. وليس ذلك أمرًا مستغرَبًا، فقد أكّد الكتاب المقدس قائلاً أنّه لا يستطيع أحد أن يقول أنّ المسيح هو ربّ إلاّ بقوّة خاصّة يمنحها له القدير هي قوة الروح القدس ( أنظر رسالة كورنثوس الأولى ٣:١٢).

 

- قرار مصيري ومسؤولية شخصية: لا يقف الإيمان المسيحي عند حدّ تحصيل المعلومات، على العكس فإنّه أبعد ما يكون عن المعلومات العقليّة الصِرفة، كما أنّه ليس تراثًا دينيًّا متوارَثًّا عن العائلة أو الأهل، ولا مجموعة ممارسات وتعاليم ونواهٍ وأوامر يجب اتّباعها. إنّ الايمان المسيحي هو إرتباط مصيري وروحي عميق يشمل العقل والإرادة والعاطفة في كافة نواحي الحياة وأنشطتها التي تربط الإنسان بالله في شركة روحيّة مصيريّة، جادة، عميقة ودائمة. ويترتّب على هذه العلاقة آثار خالدة لا تنتهي، تسجّلها السماء ويهتمّ بها الله والملائكة! أصغِ إلى قول المسيح مُقرِّرًا: "لأنّه هكذا أحب الله العالم حتى بذل إبنه الوحيد، لكي لا يهلك كلّ مَن يؤمن به بل تكون له الحياة الأبديّة" (يوحنا ١٦:٣).

تُميِّز العقيدة المسيحيّة ثلاثة مبادئ أساسيّة لابد من الوقوف عندها بدايةً، وهي: غفران الخطايا، طبيعة الله، وضرورة إقامة علاقة حقيقيّة وحيّة معه.

 

غفران الخطايا

 

إنّ الله قدوس وطاهر. وقداسة الله تستلزِم أن يأخذ العدل مجراه من جِهة دفْع أجرة الخطيئة التي حذّر الله آدم منها حين قال له يوم تأكل من الشجرة المحرّمة موتًا تموت. فالله قدوس وعادل ولا يتهاون مع الشرّ والخطيئة. والله في رحمته ومحبته يهتمّ بأن ينقذ الإنسان من عقاب الخطيئة الذي نتيجته إنفصال الإنسان عنه.

لقد أعدَّ الله خطّة لفداء الإنسان، واتّضحت رموزها منذ أن كان آدم في الجنّة. فقد صنع الله ذبيحةً وأخذ جلدها وستر به عُري آدم وحواء. هذه الخطّة أشار اليها أيضًا عندما طَلَب من إبراهيم أن يقدِّم ابنه اسحق على المذبح، ولكنّ الله فداه بكبشٍ. وظهرَتْ هذه الخطّة أيضًا في إعلان واضح عندما علّم الله الشعب أن يضع الدمّ علامةً على القائمتين والعتبة العليا لكي ينجو من الملاك المُهلك الذي قتل الأبكار في مصر قبل خروج شعب إسرائيل منها (سفر الخروج ٧:١٢).

لابد أن يكون الفادي بلا خطيئة وإلا فإنّ موته يكون عن نفسه. لابد أن يكون الفادي قادرًا على التوسُّط بين الله والناس من أجل المصالحة، ولذلك وَجَبَ عليه أن يكون من الله وحاملاً سمات البشر. يجب أن تكون قيمة دم الفادي غير محدودة فتصلح للتكفير عن البشر أجمعين في كلّ الدهور وفي كلّ مكان (رسالة كورنثوس الثانية ٥: ١٩).

والله الكلمة، اقنوم الإبن، تجسّد في ملء الزمان لكي يقدّم للبشرية خلاصًا من عقاب الخطيئة محقِّقًا عدالة الله وحبّه معاً. وفي الصليب أظهر الله عدله ومحبته معًا في فداء البشر وإتمام مطالب العدل الإلهي (رسالة فيلبي٦:٢ -٩).