أعزائي الباحثين،
قبل كل شيء، يجب أن لا تنظر إلى الرغبة الجنسية على أنها لعنة شيطانية، بل أن الله له المجد وضع هذه الرغبة في البشر، ذكورا ً واناثاً، ليتمتع بها الإنسان ضمن إطارها الصحيح، أي الزواج المقدس.
إن جموح الجسد جنسيا ً، ولا سيما عند الشباب، مردّه إلى اسباب بيولوجية، إضافة إلى اسباب نفسية وإجتماعية كالشعور بالوحدة والفراغ أو الفشل أو إنكسار النفس أو عدم تقدير المحيطين وإحترامهم ومحبتهم للشخص المعين وغيرها الكثير، ويضاف إليها عدم تلقي تربية جنسية سليمة، خاصة في المجتمعات الشرقية. إلا أن كلمة الله قدمت علاجا ً ناجعا ً للشفاء من هذه المشكلة. وهذا العلاج يمكن تلخيصه في كلمتين "سياسة الهرب".
إن اخطر وأشر عدو للانسان، كائنا ً من كان، هو جسده نفسه، وليس الشيطان كما يظن الكثيرون. فالكتاب المقدس عندما تحدث عن الشيطان المغلوب في صليب المسيح، دعا المؤمنين إلى عدم الخوف منه بل مقاومته لكي يهرب "قاوموا إبليس فيهرب منكم" ( رسالة يعقوب ٤ : ٧) و" إصحوا واسهروا لأن إبليس خصمكم كأسد زائر يجول ملتمسا ً من يبتلعه هو، فقاوموه راسخين في الإيمان" (رسالة بطرس الأولى ٥: ٨ و٩). أما عند الحديث عن الجسد وشهواته، فالكتاب المقدس دعا المؤمنين لكي يهربوا هم، لا أن يقاوموا، كقول الرسول بولس لتيموثاوس "أما الشهوات الشبابية فأهرب منها" (رسالة تيموثاوس الثانية ٢: ٢٢)، وقوله لأهل كورنثوس "أهربوا من الزنى" (رسالة كورنثوس الأولى ٦: ١٨). فأي مشكلة مع الشيطان يمكن الإنتصار عليها وعليه من خلال مقاومته بإسم الرب يسوع المسيح وقوة روحه القدوس. أما مشاكل الجسد وشهواته فمن العبث أن نقاومها ونقاومه لأننا سنخسر حربنا معه بالتأكيد. وما علينا عند مهاجمة الجسد لنا إلا بالهرب لكي نحقق الإنتصار.
أما كيفية الهرب من الجسد عندما يجمح في شهوته، فإليك بعض النصائح:
اولا ً: يقول الرسول بولس إلى أهل رومية "إلبسوا الرب يسوع المسيح ولا تصنعوا تدبيرا ً للجسد لاجل الشهوات" (رسالة رومية ١٣ : ١٤). هذه النصيحة مزدوجة وذات وجهين، إيجابي وسلبي. الوجه الإيجابي هو أن تتأكد أنك قد قبلت الرب يسوع المسيح مخلصا شخصيا لك، "فلبسته" أي أصبحت صفات المسيح هي ما يظهر فيك كمؤمن، لأنه عندذاك يسكب الله روحه القدوس في قلبك فيعينك تماما ً على الإنتصار على ميول الجسد وشهواته إن كنت تسمح له بأن يسيطرعلى كيانك ويقودك في سبل البر والقداسة، لأن الكتاب يقول "إنما أقول إسلكوا بالروح فلا تكملوا شهوة الجسد ... وأعمال الجسد ظاهرة التي هي زنى عهارة نجاسة دعارة ... وأما ثمر الروح فهو محبة فرح سلام طول أناة لطف صلاح إيمان وداعة تعفف ... لكن الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الاهواء والشهوات" (رسالة غلاطية ٥ : ١٦ - ٢٤). فعندما يهاجمك الجسد بشهواته أهرب إلى المسيح بالصلاة، طالبا ً منه النصرة لمجد إسمه المبارك، فسيتدخل بروحه ليمنحك القوة اللازمة لعبور الأزمة بسلام. أما الوجه السلبي فهو أن لا تصنع تدبيرا ً للجسد لأجل الشهوات. أي لا تخطط لعمل ما قد يثير فيك شهوات الجسد، كمشاهدة الأفلام أو المجلات الرديئة. بل ليكن لديك القرار الثابت بالإبتعاد والهرب من هذه جميعها في الوقت المناسب.
ثانيا ً: درّب نفسك على القيام بأعمال مفيدة في المنزل أو خارجه، أو ممارسة تمارين رياضية وهوايات معينة كالمشي والركض أو القراءة ، أو الإشتراك في نشاطات جماعية. فالإنطواء على النفس والإنزواء يشكلان فرصة مهمة للجسد لكي يتحرك بشهواته. كما أنه من خلال الوحدة والشعور بالملل تنطلق الافكار بلا قيود للمضي بعيدا ً في التصورات والتخيلات الجنسية، ما يؤدي الى تفاقم المشكلة يوما ً بعد يوم.
ثالثا ً: الثقة بالنفس هي عامل مهم جدا ً للإنتصار على شهوات الجسد. فأنت شخص مخلوق على صورة الله ومثاله. وهذا يعني أن لله هدفا ً من حياتك هو أن يتمجد فيك. لذلك لا بد من تغيير طريقة تفكيرك في ذاتك، وإجراء إعادة تقييم لنفسك في ضوء هذه الحقيقة، دون النظر إلى تقييم الناس لك. فالكتاب يقول "فأطلب إليكم أيها الإخوة برأفة الله أن تقدموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله عبادتكم العقلية. ولا تشاكلوا هذا الدهر، بل تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم، لتختبروا ما هي إرادة الله الصالحة المرضية الكاملة" (رسالة رومية ١٢ : ١ و ٢). فتجديد الذهن هو المفتاح لإختبار وعمل ما يرضي الله، ولتقديم الجسد كذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله، فلا يعود مجرد آلة لإنتاج الشهوات الرديئة . اما عن تجديد الذهن ، فذلك يتم من خلال اشغال العقل بكلمة الله لكي تحل محل الافكار الباطلة والرديئة . وبما ان الانسان يتحرك ويتصرف تبعا لاوامر العقل، فكم هو مهم إذا ً أن يكون العقل مشحونا ً بالأفكار المقدسة التي تؤدي بالإنسان إلى إحترام جسده والتعامل معه كقيمة سامية الهدف.
وعلى العكس من ذلك، فالأفكار الرديئة والمظلمة في ذهن الإنسان تؤدي به إلى السلوك في النجاسة كما يقول الكتاب "فأقول هذا وأشهد في الرب أن لا تسلكوا في ما بعد كما يسلك سائر الأمم أيضا ً ببطل ذهنهم، إذ هم مظلمو الفكر ومتجنبون عن حياة الله لسبب الجهل الذي فيهم بسبب غلاظة قلوبهم. الذين هم إذ قد فقدوا الحس أسلموا نفوسهم للدعارة ... وأما أنتم فلم تتعلموا المسيح هكذا. إن كنتم قد سمعتموه وعلّمتم فيه كما هو حق في يسوع، أن تخلعوا من جهة التصرف السابق الإنسان العتيق الفاسد بحسب شهوات الغرور، وتتجددوا بروح ذهنكم، وتلبسوا الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله في البر وقداسة الحق" (رسالة افسس ٤ : ١٧ - ٢٤).
وهكذا عزيزي يمكنك أن تتمتع بحياة النصرة على الجسد، إذ تصبح إناء مقدسا ً ونافعا ً لخدمة السيد الوحيد مخلصنا وربنا يسوع المسيح، له المجد الآن وإلى أبد الآبدين ، آمين .