أعزائي الباحثين،
يتحدث سفر التكوين ٣٠ عن التدبير الذي صنعه يعقوب لجعل غنم وماعز لابان حميه تلد صغارا ً تكون رقطاء وبلقاء وسوداء، بحيث تصبح ملكا ً ليعقوب بحسب الشرط الذي وضعه لحميه عن الغنم والمعاز المزمع أن يأخذها كأجرة عن السنين التي خدمه فيها (أنظر سفر التكوين ٣٠: ٣٢ إلى آخر الفصل). وكان تدبير يعقوب بأن يجعل أغنام وماعز لابان التي كان يرعاها له، تتوحم بين قضبان أعدها خصيصا لهذه الغاية، بحيث يضمن أن تكون المواليد الجدد بأكثرها مستوفية للشروط الموضوعة، وبالتالي تصير من نصيبه. وقد نجح فعلا ً في هذا العمل وصار له ماعز وغنم كثير. ولكن السؤال الذي يطرح هنا هو، هل من علاقة فعلا بين الوحام او الشهوة وتكوين المواليد عند الحيوانات او حتى عند النساء؟
يكفينا ان كلمة الله تحدثت عن هذا الامر لكي نصدقه، مع العلم ان الواقع ايضا يشير الى حقيقة وجود مثل هذه العلاقة. فإحدى السيدات مثلا ً ولدت ابنها البكر وعلى باطن قدمه رسم نافر لعنقود عنب أحمر مع ورقة دوالي. وهي تتذكر تماما ً الوقت الذي فيه توحمت على عنقود عنب رأته لا يزال معلقا ً في الدالية بعد إنتهاء موسم العنب. وقد أحجمت حينها عن الطلب من أصحاب البيت الذي كانت تزوره أن تأكل عنبا ً لكي تشبع شهوتها فلا يؤثر وحامها على الجنين في بطنها. كما ان هناك العديد من الاشخاص الذين يوجد في اجسادهم علامات وصور نتجت عن توحم امهاتهم وهن حاملات بهم. فالوحام بكل بساطة هو شهوة تشتهيها الحامل لشيء تشعر برغبة شديدة في نواله، ولا سيما اذا كان مما يؤكل.
فالأمر اذن يتعلق بالشهوة، وهنا يكمن الدرس الروحي الذي يجب ان نتعلمه. فكما ان الوحام يترك اثرا ً ملموسا ً وحقيقيا ًعلى جسد الجنين في بطن الام، هكذا الشهوة تؤثر بشكل عملي على حياتنا الروحية في الداخل. والشهوات نوعان : شريرة ومقدسة. والنوعان يتركان أثرهما على حياتنا ومصيرنا الأبدي.
يقول الله عن الشهوات الشريرة في الوصية العاشرة من وصاياه "لا تشته بيت قريبك. لا تشته امرأة قريبك ولا عبده ولا امته ولا ثوره ولا حماره ولا شيئا مما لقريبك" (سفر الخروج ٢٠ : ١٧). فالشهوة هي مفتاح التجربة والسقوط في الخطية والهلاك كما يقول الرسول يعقوب بوحي الروح القدس "ولكن كل واحد يجرب اذا انجذب وانخدع من شهوته. ثم الشهوة اذا حبلت تلد خطية. والخطية اذا كملت تنتج موتا ً" (رسالة يعقوب ١ : ١٤ و ١٥). والرسول يوحنا، بالوحي المقدس أيضا ً، إختصر كل الخطايا في العالم بالشهوة عندما قال "لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم. إن أحب أحد العالم فليست فيه محبة الآب. لأن كل ما في العالم شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة ليس من الآب بل من العالم. والعالم يمضي وشهوته. وأما الذي يصنع مشيئة الله فيثبت إلى الأبد" (رسالة يوحنا الأولى ٢ : ١٥- ١٧).
ولا ننسى ان هلاك البشرية جمعاء حصل نتيجة الشهوة التي استحوذت على مشاعر حواء بسبب اغواء الشيطان لها للأكل من الشجرة المحرمة كما نقرأ في سفر التكوين "فرأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل وأنها بهجة للعيون وأن الشجرة شهية للنظر، فأخذت من ثمرها وأكلت وأعطت رجلها أيضا معها فأكل" (سفر التكوين ٣: ٦).
لقد اكد الرب يسوع المسيح في تعاليمه صحة كون الشهوة تنتج تأثيرا ً عمليا ً ماديا ً عندما قال "قد سمعتم أنه قيل للقدماء لا تزن. وأما انا فأقول لكم أن كل من ينظر إلى إمرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه" (متى٥ : ٢٧ و ٢٨). فقد إعتبر الرب يسوع أن من يشتهي إمرأة بعيونه الشريرة يكون زناه المعنوي مساويا ً للفعل المباشر . لذلك يحرض الرسول بولس الشباب على الهرب من الشهوات كقوله لتيموثاوس "اما الشهوات الشبابية فاهرب منها واتبع البر والإيمان والمحبة والسلام مع الذين يدعون الرب من قلب نقي" (الرسالة الثانية إلى تيموثاوس ٢ : ٢٢). ويقول المرنم في العهد القديم "شهوة الشرير تبيد" (سفر المزامير ١١٢: ١٠).
أما عن الشهوات المقدسة فيقول الملك سليمان "شهوة الأبرار خير فقط" (سفر الامثال١١ : ٢٣). ويقول ايضا "خوف الشرير هو يأتيه وشهوة الصديقين تمنح" (سفر الامثال ١٠ : ٢٤). فعلى عكس الأشرار الذين سيحصدون نتيجة شهواتهم الشريرة، يبارك الله المؤمنين بتحقيق أمانيهم وشهواتهم المقدسة لكي يتمتعوا بها في حياتهم اليومية والأبدية. فكم من المؤمنين يشتهون ما كتب عنه النبي أشعياء "في طريق احكامك يا رب انتظرناك. الى اسمك والى ذكرك شهوة النفس. بنفسي أشتهيتك في الليل. أيضا ً بروحي في داخلي إليك أبتكر..." (سفر أشعياء ٢٦ : ٨ و٩). "هانذا قد اشتهيت وصاياك. بعدلك أحيني" (سفر المزامير ١١٩ : ٤٠). ليت هذه الشهوات تكون شهوات الكاتب والقارىء معا ً في كل حين. لقد كان للرسول بولس شهوة مقدسة يرجو تحقيقها عندما قال "لي إشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح . ذاك أفضل جدا ً" (رسالة فيلبي ١ : ٢٣). والروح القدس يشجع على اشتهاء الاشياء المقدسة كقول الرسول بطرس عن كلمة الله "وكأطفال مولودين الآن إشتهوا اللبن العقلي العديم الغش لكي تنموا به" (رسالة بطرس الأولى ٢:٢). وكقول الرسول بولس "صادقة هي الكلمة . إن إبتغى أحد الأسقفية فيشتهي عملا ً صالحا ً" (الرسالة الأولى إلى تيموثاوس ٣ : ١).
أخيراً نشجعك عزيزي القارئ بإسم ربنا يسوع المسيح، أن كنت لم تختبر نعمة الخلاص بعد، أن تسرع حالا ً إليه لأنه أحبك وبذل للموت نفسه لأجلك على الصليب، فتطلب منه أن يمنحك الإيمان ويخلصك من خطاياك فتنال الغفران والحياة الابدية. فهو سيفعل هذا بالتأكيد لأنه إله الأمانة الذي يقرع على أبواب القلوب كي تفتح له فيدخل ويملأ المكان بالفرح والسلام الأبديين. فإذا كانت هذه شهوة نفسك تأكد يا عزيزي أن الله سيمنحك إياها لأن "شهوة الصديقين تمنح" وله كل المجد الى أبد الابدين . آمين .