كيف أسمع لصوت الله؟

كيف أسمع لصوت الله؟ 

 
أعزائي الباحثين،
 
  من جملة الإمتيازات الرائعة التي صارت للمؤمنين بنعمة الله، إمكانية الدخول الى الأقداس السماوية روحياً، والتقابل مع الله كمن أصبح أباً لنا، والتحدث إليه بالصلاة، متوقعين سماع صوته من خلال إستجابة طلباتنا بحسب مواعيده لنا في الكتاب المقدس. إلا أنه يجب الأخذ بعين الإعتبار أن علاقتنا بالله هي علاقة روحية وليست جسدية، بحيث أننا لا نتوقع أن نرى الله أو أن نسمعه كما نرى ونسمع الناس الذين يحيطون بنا. ولكن بكل تأكيد نستطيع سماع صوت الله روحياً. أي إدراك مشيئته وإستيعاب الرسائل التي يريد إيصالها لنا.
 
إن سماع صوت الله يتطلب منا أن نكون في الحالة الروحية المناسبة. فالمشاعر العاطفية الجسدية لا يمكن الإعتماد عليها لسماع صوت الله، إنما الوجود في حالة روحية متوافقة مع قداسته ومشيئته. قال ربنا يسوع "الله روح. والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا" (يوحنا ٤ : ٢٤). فإذا كنا في الحالة الروحية المناسبة ونسير أمام الله بحسب الحق الموجود في كلمته، فلا بد أن نسمع صوته في داخلنا روحياً، مشجعاً وموجهاً ومشدداً بحسب الحاجة.
 
هذه بعض الشروط الواجب توفرها لنكون متأكدين من أننا نسمع صوت الله يكلمنا روحياً:
 
١- قبول المسيح بالإيمان كالفادي والمخلص. قال ربنا يسوع "لا يقدر أحد أن يقبل إلي إن لم يجتذبه الآب الذي أرسلني وأنا أقيمه في اليوم الأخير. انه مكتوب في الانبياء، ويكون الجميع متعلمين من الله. فكل من سمع من الآب وتعلم يقبل إلي" (يوحنا ٦ : ٤٥). فمجرد المجيء إلى المسيح بالإيمان هو عمل استجابة من قِبَلي لصوت الله الذي سمعته في أعماقي في لحظة من اللحظات يدعوني للمجيء إلى المسيح يسوع بالايمان للنجاة من الدينونة. فالمسيح يقرر في الآيات السابقة ان من يأتي اليه بالإيمان هو شخص إستمع لصوت الآب، لأن الآب يكلمنا في الإبن كما تقول الرسالة إلى العبرانيين "الله بعدما كلم الآباء بالأنبياء قديماً بأنواع وطرق كثيرة، كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه" (الرسالة إلى العبرانيين ١ : ١ و ٢). لذلك يحث الروح القدس الناس على طاعة صوت الله عند سماعه ويدعوهم إلى قبول المسيح للخلاص بالقول "اليوم ان سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم" (الرسالة إلى العبرانيين ٣ : ٧ و ٨).
 
٢- الشبع بكلمة الله.  حين نقرأ الكتاب المقدس نكون عملياً في حالة استماع إلى صوت الله يكلمنا من خلال الكتاب. فإذا كنا نقرأ كلمة الله بروح الخشوع وبرغبة قلبية صادقة بحفظها في قلوبنا وطاعتها في حياتنا العملية، سنكتشف أننا بالفعل نستطيع سماع صوت الله يرشدنا إلى ما يجب عمله أو تقريره في مواجهة أي ظرف من الظروف التي نتعرض لها. فعندما يهاجمنا إبليس بتجربة معينة، ثم تلمع في أفكارنا الآية المناسبة التي تعيننا على مواجهة الموقف والإنتصار على التجربة، نكون عملياً في حالة استماع لصوت الله. لذلك يقول الكتاب "لتسكن فيكم كلمة المسيح بغنى، وأنتم بكل حكمة معلمون ومنذرون بعضكم بعضاً بمزامير وتسابيح وأغاني روحية بنعمة مترنمين في قلوبكم للرب" (رسالة  كولوسي ٣ : ١٦). والرسول إلى العبرانيين يوبخ من وصفهم بمتباطئي المسامع تجاه أقوال الله، بسبب عدم تغذيهم بلبن الكلمة، ويشجعهم على تناول طعام الكلمة المقدسة القوي لكي يصيروا بالغين روحياً، الأمر الذي يجعل حواسهم مدربة على سماع أقوال الله والتمييز بين الخير والشر.
 
٣- البقاء في حالة النقاوة الروحية. فالإمتلاء بالروح القدس أمر ضروري جداً لسماع صوت الله، لأن التساهل مع الشر في حياتنا العملية يؤدي إلى إحزان الروح القدس الذي فينا كمؤمنين، ما يعطل الشركة التي تجمعنا مع الله، فنفقد إمكانية سماع صوته. ولنتذكر أن الروح القدس الذي فينا هو الذي يقدم صلواتنا إلى الله شافعاً فينا كما يقول الكتاب "وكذلك الروح أيضاً يعين ضعفاتنا. لأننا لسنا نعلم ما نصلي لأجله كما ينبغي. ولكن الروح نفسه يشفع فينا بأناتٍ لا ينطق بها. ولكن الذي يفحص القلوب يعلم ما هو اهتمام الروح، لأنه بحسب مشيئة الله يشفع في القديسين" (رسالة  رومية ٨ : ٢٦ و٢٧). فلا يمكننا سماع صوت الله في حالة إحزان الروح القدس. وعلى العكس من ذلك، فإن انتعاش الروح فينا، ولا سيما في حالة التغذي المستمر بكلمة الله، يجعلنا نميز تماماً صوت الله كما يقول الكتاب أيضاً "ما لم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على بال إنسان ما أعده الله للذين يحبونه، فأعلنه الله لنا نحن بروحه. لأن الروح يفحص كل شيء حتى أعماق الله. لأن مَن مِن الناس يعرف أمور الإنسان إلا روح الإنسان الذي فيه؟ هكذا أيضاً أمور الله لا يعرفها أحد إلا روح الله. ونحن لم نأخذ روح العالم بل الروح الذي من الله لنعرف الأشياء الموهوبة لنا من الله ... لأنه من عرف فكر الرب فيعلمه. وأما نحن فلنا فكر المسيح" (رسالة كورنثوس الأولى ٢ : ٩ - ١٦).
 
يبقى أن نعلم أن النمو الروحي يفتح أمامنا آفاقاً أوسع لفهم المشيئة الإلهية والقبول بها، حتى ولو كانت استجابة الصلاة مغايرة لما نريده أو نتمناه نحن. فالله الكلي الحكمة يعرف أكثر منا ما هو لازم ومفيد لنا، كما أنه يأخذ بالإعتبار دواعي مجده وكرامته في حياتنا. فإن كنا نصغي إليه من خلال شركة الصلاة، ولا نسمح لضجيج رغباتنا وإرادتنا الشخصية بأن يطغى على صوته اللطيف الهادىء في أعماقنا، سنختبر ما اختبرته عروس سفر النشيد عندما قالت "صوت حبيبي. هوذا آت ..." له المجد والكرامة من الآن وإلى أبد الآبدين. آمين.