الكثير من المسلمين يعتقدون أن الإسلام كرم المسيح وأمه القديسة مريم، ويرتكزون على الأمور التالية:
- أن القرآن خصص سورة بكاملها لمريم حيث سماها باسمها ولم يخصص محمد أي سورة لتسمى باسم إحدى زوجاته أو باسم والدته.
- أن عيسى ذُكر في القرآن أكثر مما ذُكر محمد، بحيث عيسى ذُكر ٢٥ مرة بينما ذُكر محمد أربع مرات فقط.
- أن الإسلام يعتبر المسيح رسولا ومن أولي العزم، وأنه قام بمعجزات كثيرة، وأنه سيعود في آخر الزمان.
- أن عيسى برأ مريم مما نسبه اليهود لها من الزنى وحكم ببراءتها من الفعل الشنيع المنسوب إليها زورا وبهتانا.
- أن الإسلام برأ المسيح من الذُّل والهوان الذي لحقه بالأناجيل التي جعلته يموت مصلوبا وهي أشنع ميتة يمكن أن يموتها شخص.
وللجواب على النقط الخمس نقول:
- أن تخصيص القرآن لسورة بكاملها باسم شخص أو مجموعة أشخاص لا يعني تكريمهم على الإطلاق، فهناك سورة باسم البقرة، فهل القرآن كرم البقرة؟ وهناك سورة باسم العنكبوت، وهناك سورة باسم المنافقين، فهل القرآن كرم المنافقين؟ إن تخصيص القرآن لسورة كاملة باسم مريم يعني فقط السورة التي ذكرت فيها مريم، وسبب ذكر مريم دون باقي النساء هو أن مريم كانت مشهورة بين العرب مسيحيين وغير مسيحيين حتى قبل مجيء محمد، فالقرآن ردد فقط ما كان معروفا عند الجميع عن القديسة مريم.
- أما ذكر عيسى ٢٥ مرة في القرآن أكثر من ذكر محمد فلا يعني أن عيسى أفضل من محمد، ولا يعني التكريم، لأن العدد لا علاقة له بالتكريم، فالشيطان ذكر أكثر من محمد في القرآن فهل كرم القرآن الشيطان أكثر من محمد؟ الشيطان ذكر ٦٣ مرة ومحمد ٤ مرات فقط ومع ذلك لا يُعتبر الشيطان أفضل من محمد في القرآن. وفرعون ذكر ٧٤ مرة ومع ذلك لا يعتبر ذلك تكريما في حق فرعون.
- أما كون الإسلام اعترف بالمسيح أنه رسول ومن أولي العزم فذلك لا يجعله تكريما للمسيح، لأن تكريم المسيح هو الاعتراف بكل تعاليمه، أما الانتقاص من أي وصية علمها المسيح فإنه يعتبر انتقاصا من المسيح نفسه حتى لو اعترفنا ببعض التعاليم الأخرى، مثلما أن الاعتراف بأن محمدا رسول من عند الله ثم الادعاء بأنه لم يكن آخر الرسل (كما يؤمن بذلك الأحمدية) يُعتبر انتقاصا من قدر محمد في الإسلام. تخيل لو شخصا قال أن محمدا رسول عظيم لكن القرآن كتاب محرف، هل هذا يعتبر تكريما في حق محمد وكتابه؟ المسلمون يفعلون نفس الشيء، يقولون أن المسيح رسول عظيم ولكن كلامه تم تحريفُه، وبالتالي يهدمون الجزء الأول من كلامهم من خلال الجزء الثاني من الكلام نفسه. الإسلام من جهة يقول عن المسيح أشياء جميلة مثل ولادته من عذراء وفعله المعجزات، ولكنه من جهة أخرى ينتقص من قدره حين يقول بأنه ليس آخر الرسل ويدعي أنه جاء كمجرد مبشر برسول يأتي من بعده اسمه أحمد (الصف ٦)، وأنه لن يشفع يوم القيامة بينما محمد سيكون هو الشفيع الأوحد (انظر حديث الشفاعة المروي في الصحيحين)، بل وجعل الإسلام من المسيح مجرد واحد من أتباع محمد بحيث أنه حين رجوعه سيصلي خلف المهدي ويموت على الإسلام (انظر صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب نزول عيسى، والمنار المنيف ص ١٤٧). وكل هذا كلام مناقض لتعاليم المسيح وانتقاص منها ومن قدر المسيح نفسه.
- أما كون الإسلام برأ مريم مما نسبه لها اليهود أنها زنت فهذا أمر مردود أيضا لأن اليهود في الحقيقة لم ينسبوا لمريم أي زنى في البداية، بل بدا الأمر أنه عادي جدا خصوصا وأن مريم بحسب الإنجيل ولدت المسيح في بيت لحم (إنجيل متى ٢ آية ١) ، أي في بلدة غير بلدتها الناصرة، وبعيدا عن معارفها وكانت مخطوبة لرجل اسمه يوسف (إنجيل متى ١ آية ١٨). وبالتالي لا يوجد من اتهم مريم بالزنى، فإن كان القرآن قد برأها فهو الذي اتهمها أيضا على لسان اليهود، أما الكتابات اليهودية الأخرى التي تسيء للمسيح ومريم فقد كتبت في وقت متأخر بعدما كانت المسيحية قد انتشرت ولا تعد مصدرا رئيسيا للمعلومات، لأن الأناجيل أقدم منها وكتبت في القرن الأول للميلاد.
- أما الادعاء بأن الإسلام برأ المسيح من الذل والهوان على الصليب، فالقتل أولا ليس ذلا وهوانا بل يعتبر استشهادا وتضحية في سبيل الله، والمقتول في سبيل إيمانه يعتبر بطلا لا مذلولا، ألم يقتل يحيى بحسب الإسلام؟ ألا يعترف الإسلام بأن بعض الأنبياء يموتون قتلا في سبيل الله؟ يقول القرآن: أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (البقرة ٨٧). هذه الآية تدل على أن القتل يمكن أن يلحق بالرسل، فإن كان القتل عيبا يلحق بالرسل فهذه الآية إذن تنسب الذل والعار للرسل أيضا. ألا يعتقد المسلمون بأن محمد مات مسموما بذراع شاة سمتها يهودية؟ (صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب مرض النبي). ألا يعتقد المسلمون أن محمدا سُحر على يد يهودي اسمه لبيد بن الأعصم؟ (صحيح البخاري، كتاب الطب، باب السحر). ألا يعتبر المسلمون أن محمدا ضُرب وشج في وجهه وكسرت رباعيته في معركة أحد؟ (سيرة ابن هشام، باب غزوة أحد). فإن كان الأذى قد لحق بمحمد رغم أنه رسول في الإسلام، فكيف يدعي المسلمون أنهم يبرؤون المسيح من العار الذي لحقه على الصليب؟
ثم أليست العبرة بالنهاية؟ فنهاية الصليب ليست عند الصلب بل عند القيامة، إن المسيح انتصر على صالبيه حين قام من الأموات هازما الموت والكراهية والقتل بقيامته. فالصليب ليس ذلا بل هو دليل على قوة المسيح القاهرة للموت. المسيح غلب الصلب بقيامته. ومن الصليب تعلم المسيحيون قيما كثيرة منها أن التضحية في سبيل الله وفي سبيل محبة الناس شيء جيد، وأن الغفران حتى للقتلة هو القوة في حد ذاتها، فالمسيح حتى وهو على الصليب سامح صالبيه قائلا: يا أبتاه اغفر لهم أنهم لا يعلمون ماذا يفعلون (إنجيل لوقا ٢٣ آية ٣٤). وهذه هي النصرة الحقيقية، أن المحبة غلبت الكراهية، والحياة غلبت الموت.
الخلاصة: الإسلام لم يكرم المسيح بل جعله تابعا لمحمد ومجرد مبشر بمجيئه، وأهان وصاياه حيث ادعى أنها حُرفت من قبل البشر، وأهان أتباعه حين ادعى بأنهم مشركون، وجرد المسيح من لقب الألوهية، وجرده من القيامة من الأموات، بل وجرده حتى من اسمه الشريف الذي سماه إياه الله "يسوع" والذي له معنى جميل، أن "الله ينجي" فحوله إلى اسم عيسى وهو اسم بدون معنى، أما مجيء المسيح في الأيام الأخيرة فقد جعله الإسلام فقط لكسر الصليب وقتل الخنزير (صحيح البخاري، كتاب المظالم، باب كسر الصليب وقتل الخنزير)، ولم يعترف الإسلام بأن المسيح سيعود ليدين الأحياء والأموات كما يقول الإنجيل.
قال السيد المسيح: "اَلَّذِي عِنْدَهُ وَصَايَايَ وَيَحْفَظُهَا فَهُوَ الَّذِي يُحِبُّنِي" (إنجيل يوحنا ١٤ آية ٢١). الذي يكرم المسيح هو الذي يعترف بإنجيله ويقرأ وصاياه كما جاءت في الإنجيل، أما الذي ليست عنده وصايا المسيح ولا يحفظها فهو لا يحب المسيح ولا يكرمه حتى لو ادعى غير ذلك.